إسرائيل وإيران- حرب وجودية تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط

المؤلف: منى الدحداح09.04.2025
إسرائيل وإيران- حرب وجودية تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط

تشهد منطقة الشرق الأوسط منعطفًا تاريخيًا حاسمًا، حيث تتصاعد وتيرة الصراع بين إسرائيل وإيران إلى مواجهة عسكرية مباشرة و شاملة، بعد عقود مديدة من المناوشات الخفية والعمليات غير المباشرة التي اتسمت بها "حرب الظل". هذه الحرب الراهنة ليست مجرد نزاع عسكري تقليدي محدود الأبعاد، بل هي صراع وجودي متشعب الأطراف، تتداخل فيه الاعتبارات السياسية المعقدة، والخلافات العقائدية الراسخة، والتطورات التكنولوجية المتسارعة، وتنعكس تداعياته الخطيرة على المنطقة بأسرها وعلى الساحة الدولية.

تعود جذور هذا الصراع العميق إلى انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، عندما رفعت طهران شعار اعتبار إسرائيل "العدو الأول"، في حين بادرت تل أبيب إلى النظر إلى إيران باعتبارها التهديد الإستراتيجي الأخطر على أمنها القومي. ومنذ ذلك الحين، تحول الصراع بينهما إلى سلسلة متواصلة من المواجهات الاستخباراتية السرية، وعمليات الاغتيال الدقيقة، والهجمات السيبرانية المتطورة، التي هدفت إلى تقويض قدرات الطرف الآخر.

ولكن في شهر يونيو من عام 2025، تفجر الوضع المتوتر إلى حرب مفتوحة و شاملة. شنت إسرائيل هجمات جوية مكثفة ومركزة على مواقع حساسة داخل الأراضي الإيرانية، استهدفت بشكل خاص المنشآت النووية والعسكرية، وأسفرت عن مقتل العديد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين البارزين. وردت إيران على هذه الهجمات بسلسلة من الهجمات الصاروخية الدقيقة والمسيّرات الانتحارية، مستهدفة العمق الإسرائيلي، وأوقعت إصابات وخسائر فادحة في تل أبيب وحيفا.

هذه الحرب الدائرة ليست مجرد صراعات تقليدية في الميادين العسكرية باستخدام الصواريخ والطائرات، بل هي معركة إرادات حقيقية، واختبار قاس لقدرة الأطراف المتنازعة على التحمل والصمود، والسيطرة على السرد الإعلامي الذي يوجه الرأي العام المحلي والدولي. تتطلع إسرائيل إلى ترسيخ تفوقها الجوي الساحق، واستهداف البنية التحتية الأمنية والنووية الإيرانية بشكل ممنهج، في حين تسعى طهران بكل قوة إلى كسر هيبة الردع الإسرائيلية، وتهديد العمق المدني والعسكري لدولة الاحتلال بشكل مباشر.

ويُعد استهداف المنشآت النووية الإيرانية من أبرز المخاطر المحتملة التي تهدد المنطقة والعالم، حيث قد تؤدي الضربات الجوية إلى تسرب مواد مشعة خطيرة من المفاعلات النووية أو منشآت تخصيب اليورانيوم، خاصة إذا تعرضت خزانات الوقود أو أنظمة التبريد الحيوية لأضرار جسيمة. وعلى الرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم ترصد حتى الآن أي تسرب إشعاعي عقب الهجمات على مواقع في أصفهان، فإن هناك تحذيرات جدية من احتمال وقوع سيناريوهات أسوأ بكثير، خاصة إذا أصيبت منشآت حساسة مثل محطة "بوشهر" التي تحتوي على مفاعلات نووية نشطة. إن انتشار التلوث الإشعاعي عبر الهواء أو المياه الجوفية قد يهدّد بشكل خطير صحة السكان في إيران والدول المجاورة، ويؤثر سلبًا على البيئة الإقليمية.

كما أن استهداف منشآت حيوية مثل محطات "بوشهر" قد يعطل إمدادات الطاقة في إيران بشكل كبير، الأمر الذي يهدد استقرار أسواق النفط العالمية ويزيد من حالة عدم اليقين على الصعيد الاقتصادي الدولي المتردي بالفعل.

وبينما تتزايد أعداد الضحايا بشكل مأساوي ويتوسع الدمار والشلل في البنى التحتية الحيوية، تصبح هذه الحرب واحدة من أخطر النزاعات الحديثة، ليس فقط بسبب عنفها العسكري غير المسبوق، وإنما أيضًا لاحتمالية تغير موازين القوى في المنطقة والعالم، وتأثيرها الكبير على حياة الملايين من البشر. وتُحتّم هذه الأوضاع المأساوية على المجتمع الدولي بذل جهود مضاعفة ومكثفة للحيلولة دون تحوّل الصراع إلى مواجهة مفتوحة و شاملة يصعب السيطرة عليها. إذ إن تطورات هذه الحرب تُشير بوضوح إلى أن الشرق الأوسط يعيش لحظة مفصلية وخطيرة، تحمل في طياتها مخاطر إعادة رسم خريطة النفوذ وتغيير موازين القوى، مع تداعيات مباشرة على استقرار المنطقة والعالم أجمع.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة